معلم معماري/تاريخي | مدينة الكويت
تتربع أبراج الكويت شامخة على ساحل الخليج العربي في منطقة رأس عجوزة بمدينة الكويت، لتشكل ليس مجرد معلم معماري بارز، بل رمزاً وطنياً لا يُمحى ودليلاً ساطعاً على النهضة الحديثة التي شهدتها دولة الكويت. هذه الأبراج الثلاثة، التي افتُتحت رسمياً في الأول من مارس عام 1979م، تُمثل مزيجاً فريداً بين الأصالة والتكنولوجيا المعاصرة، وقد أصبحت على مر السنين جزءاً لا يتجزأ من هوية الكويت الحضرية والثقافية، ومحط أنظار الزوار من كافة أنحاء العالم.
تعود فكرة بناء هذه الأبراج إلى بدايات السبعينيات، عندما برزت الحاجة المُلحة لوزارة الكهرباء والماء إلى استبدال خزانات المياه الحديدية الأرضية القديمة بأخرى ضخمة وعصرية قادرة على تلبية النمو السكاني المتزايد واحتياجات التنمية العمرانية. وقد اقترح أمير الكويت الراحل، الشيخ جابر الأحمد الصباح، أن تكون هذه الخزانات الجديدة ذات تصميم فريد وجمالي لخدمة غرضين في آن واحد: وظيفي (تخزين المياه) وجمالي وسياحي.
تم إسناد مهمة التصميم إلى المكتب الهندسي السويدي الشهير ليندستروم (بالتعاون مع المهندس الدنماركي مالتي شتريين)، الذي قدم تصميماً جريئاً ومُبتكراً يجمع بين الطراز المعماري الحديث واللمسة العربية الإسلامية. أما التنفيذ، فقد تولته شركة إنيرجوبروجيكت اليوغوسلافية (الصربية حالياً). بدأ العمل في البناء عام 1975م، واستغرق أربع سنوات لإنجاز هذا الصرح العظيم، الذي نال لاحقاً جائزة آغا خان للعمارة الإسلامية عام 1980، تقديراً لجمعه بين التكنولوجيا المتقدمة والزخارف المعمارية التقليدية.
تحمل الأبراج الثلاثة رمزية عميقة مستمدة من التراث الكويتي:
كما أن كرات الأبراج مغطاة بأكثر من 55 ألف صحن مصنوع من الحديد المطلي بالصيني بثمانية ألوان زاهية، تعكس ألوان السماء والبحر وتضيف لمسة فنية فريدة.
تتألف المجموعة من ثلاثة أبراج متدرجة في الارتفاع والوظيفة:
يبلغ ارتفاعه حوالي 187 متراً، وهو القلب النابض للمجموعة. يحمل كرتين ضخمتين:
يصل ارتفاعه إلى حوالي 147 متراً، ووظيفته الأساسية هي تخزين المياه، حيث يتسع لخزان ضخم للمياه العذبة يخدم المناطق المحيطة به، ويبلغ قطره عند الأرض 12 متراً.
يبلغ ارتفاعه حوالي 113 متراً، ويُستخدم بشكل رئيسي لإضاءة البرجين الآخرين والمنطقة المحيطة. يضم حوالي 100 كشاف قوي، ويلعب دوراً جمالياً ووظيفياً في إضفاء البهجة على الأفق الليلي للمدينة.
لم تسلم أبراج الكويت من ويلات الغزو العراقي عام 1990م، حيث تعرضت لأضرار جسيمة بلغت نسبتها نحو 70%، مما أدى إلى تدمير وتخريب أجزاء كبيرة من مرافقها الداخلية والخارجية وأنظمة التشغيل والمناظر الطبيعية المحيطة. بعد التحرير، بدأت عملية الترميم الشاملة لهذه الأيقونة الوطنية بتوجيهات حكومية وعمل دؤوب من المهندسين والفنيين الكويتيين والشركات المتخصصة. وتم افتتاح الأبراج مجدداً في 26 ديسمبر 1992م، لتعود لجمهورها ومحبيها، مؤكدة على صمود الكويت وقدرتها على تجاوز المحن واستعادة مجدها. تضمنت عملية الترميم إصلاح الواجهات الزجاجية والوصلات الكهربائية وتطوير الديكورات الداخلية لتتماشى مع الطراز الحديث، مع الحفاظ على الهيكل المعماري الأصلي.
تتجاوز أهمية الأبراج كونها مجرد خزانات مياه عملاقة، لتصبح مركزاً حيوياً للعديد من الأنشطة:
تظل أبراج الكويت شاهداً حياً على مرحلة هامة من تاريخ الكويت، حيث تمثل بجدارة التوازن بين الحاجة الوظيفية (تخزين المياه) والجمال المعماري. إن تصميمها الفريد الذي يزاوج بين التراث والأصالة والحداثة جعلها أيقونة معترف بها عالمياً، وحائزة على جوائز مرموقة. وعندما ينظر الكويتيون والزوار إلى هذه القامات الشاهقة على شاطئ الخليج، فإنهم يرون أكثر من مجرد ثلاثة أبراج؛ يرون قصة صمود، ورمز فخر، وتجسيد لروح النهضة التي لا تتوقف في دولة الكويت الحديثة.