أسواق تقليدية/تراثية | مدينة الكويت القديمة
يُعد سوق المباركية الأقدم والأكثر أصالة في دولة الكويت، ويقع في قلب العاصمة بمنطقة القبلة. يتجاوز تاريخه 120 عاماً، مما يجعله شاهداً حياً على حقبة ما قبل النفط، حيث كان المركز التجاري والاقتصادي الرئيسي للكويت وملتقى التجار من الخليج العربي والهند والعراق وإفريقيا.
اكتسب السوق اسمه الكريم من مؤسس الكويت الحديثة، الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير)، الذي حكم الكويت من عام 1896 إلى 1915. بدأت قصة السوق فعلياً مع إنشاء كشك الشيخ مبارك في عام 1897م. هذا الكشك لم يكن مجرد مبنى، بل كان:
واليوم، تحول هذا الكشك إلى متحف أثري صغير يتوسط السوق، يعرض مقتنيات الشيخ مبارك ووثائق تاريخية، ليظل معلماً يربط الحاضر بالماضي.
يتميز سوق المباركية بهندسة معمارية كويتية تقليدية تم الحفاظ عليها بعناية فائقة رغم عمليات التجديد والترميم التي شهدها السوق، خصوصاً بعد الأضرار التي لحقت به خلال أزمة الخليج وبعض الحرائق. يبرز جمال السوق من خلال:
إن الحفاظ على سوق المباركية بشكله الحالي يمثل التزاماً وطنياً بالحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الكويتي الأصيل في مواجهة الحداثة العمرانية المتسارعة.
المباركية ليست سوقاً واحداً، بل هي مجموعة متكاملة ومتشابكة من الأسواق المتخصصة، التي كانت تلبي كافة احتياجات المجتمع الكويتي القديم وتجار الخليج. ومن أبرز هذه الأسواق التي ما زالت تحتفظ بحيويتها:
يُعد سوق الذهب المباركية وجهة رئيسية للباحثين عن المجوهرات التقليدية والمعاصرة، ويشتهر بتقديم تصاميم فريدة تعكس التراث الكويتي والخليجي، إلى جانب سوق الصرافين المجاور.
تشمل هذه الأسواق العمود الفقري للحياة اليومية:
يُعتبر سوق العطارة جنة لعشاق الروائح الشرقية، حيث تجد أفخم أنواع العطور العربية الأصيلة، وأنواع البخور الفاخر، والعود النادر. كما يُعرف بأنه مركز لتوفير الأعشاب الطبية والبهارات الخاصة بالطبخ الكويتي التقليدي.
يحتوي هذا القسم على متاجر تعرض الأسلحة التراثية كـالخناجر والسيوف التقليدية المزخرفة، بالإضافة إلى قسم خاص بـالأنتيكات والمقتنيات القديمة، التي تشمل العملات النادرة والأدوات المنزلية العتيقة والتحف التراثية التي تروي قصصاً من الماضي.
توفر هذه الأسواق الأقمشة الفاخرة لتفصيل الملابس التقليدية مثل الدشداشة الرجالية والدراريع النسائية، بالإضافة إلى الملابس الشعبية والحرف اليدوية الأخرى مثل بيع السجاد (الزل) والخوصيات.
تضم المباركية أسواقاً فرعية أخرى مثل: سوق الصفافير (النحاسين)، سوق المسابيح، سوق الشعير، وسوق الغربلي.
سوق المباركية ليس مجرد مركز تجاري، بل هو ساحة اجتماعية وثقافية بامتياز. حيث تتجلى الروح الكويتية الأصيلة في أرجائه:
تنتشر في المباركية العديد من المقاهي والاستراحات والمطاعم التي صُممت على الطراز القديم، وتقدم المأكولات والمشروبات الشعبية الكويتية والخليجية والإيرانية. وتُعد تجربة تناول وجبة المجبوس أو السمك المشوي، أو احتساء الشاي البوري على الفحم، جزءاً لا يتجزأ من زيارة السوق.
تشتهر محلات الحلويات في المباركية ببيع المنتجات التي اعتاد الكويتيون والخليجيون عليها منذ القدم، مثل الرهش، والدرابيل، والغريبة، والبقصم، مما يحافظ على نكهة المطبخ التراثي.
كان السوق ولا يزال ملتقى للمثقفين والأدباء والسياسيين وعامة الناس، حيث يمكن تبادل الأحاديث والاستماع إلى القصص القديمة، مما يجعله مركزاً للتواصل الاجتماعي يفتقده الكثيرون في المجمعات التجارية الحديثة.
في الوقت الحالي، تظل المباركية معلماً سياحياً لا غنى عنه، يجذب السياح الخليجيين والأجانب والمقيمين على حد سواء. تشكل السوق جسراً بين الماضي العريق والحاضر المزدهر للكويت. ورغم التحديات المتعلقة بالتحديث والعمران المستمر، تبذل الجهات الحكومية جهوداً حثيثة لـترميم الأجزاء الحيوية وتطوير البنية التحتية، مع الالتزام الصارم بالحفاظ على طابعه المعماري التقليدي وروحه الشعبية.
إن سوق المباركية ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو ذاكرة حية للكويت، وواجهة تعكس ثقافة شعب وتاريخ أمة. فكل زاوية فيه تروي حكاية عن كفاح الأجداد وبناء الدولة، مما يجعله كنزاً وطنياً يجب صونه للأجيال القادمة.